القراءة وشيخوخة الدماغ
كلما تقدّم الإنسان في السن شعر بأن قوته تتلاشى و بأن جسده قد بدأ يخونه، يرتخي الجلد النضر و تتعب المفاصل القوية و يعتلّ القلب السليم و لا تعود العينان تبصران بنفس الحدة. لكن خيانة الدماغ مؤلمة، أن تفقد ذكرياتك التي ظننتَ أنك استودعتها مكاناً أميناً داخل رأسك، و تفقد مهاراتك و ذكاءك اللامع و تشعر أنك شخص مختلف... شخص أضعف.
لا يولد الطفل البشري بدماغ مكتمل النمو؛ بل إنه خلال السنوات الأولى من حياته يبني شبكات معقدة من الخلايا العصبية كلما تعلّم شيئاً جديداً و مهارة جديدة، و تستمر حركة النمو و البناء حتى حوالي العشرينات أو الثلاثينات من العمر فيكون الدماغ كثيفاً بتشابكات عصبية ترمّز العلم و القدرات و الذكريات التي اكتسبها الإنسان طوال حياته. لكنه بدءاً من تلك النقطة يبدأ مرحلة أخرى... مرحلة الهدم و الهرم.
كل المهارات التي لم تستخدمها منذ سنوات سوف تُنسى و بعض الذكريات سوف تُفقَد دون سبب و لن تعود لك الفصاحة اللغوية نفسها أو الذكاء الحاد نفسه، ستفلت خلية عصبية يد خلية عصبية أخرى لتفقد بهذه الحركة كل ما كانت هاتان الخليتان تخزنانه من خبرة و معرفة.
هل يكون هذا هو المصير المحتوم لكل أدمغة البشر؟ هل نسير جميعنا نحو الخمول و النسيان؟ ربما يكون الجواب نعم، و لكننا بالتأكيد قادرون على الحد من هذه العملية. إن أردتَ ألا ينطفئ دماغك فعليك إبقاؤه مُضاءً. عليك إبقاء دماغك مشتعلاً من خلال منحه دوماً شيئاً جديداً يعمل عليه، حتى لو كنتَ في الخمسين أو الستين... اقرأ كتاباً جديداً، تعلّم مهارةً جديدة، نمِّ موهبة جديدة.
قد يظن البعض أن الكلمات المتقاطعة أو الشطرنج أو الزهر تفي بالغرض إلا أنها في مرحلة معينة تصبح أشياء مكررة سرعان ما يملّ الدماغ منها.
لكن القراءة تستمر في كونها نشاطاً متجدداً يجعل أجزاء دماغك كلها تتنشط و تنتعش. اقرأ في كل المجالات و ستشعر أن عقلك لا يهدأ و أنه نيران متأججة وقودها صفحات الكتب و كلماتها. و قد أثبتت كثير من التجارب أن القراءة تخفض احتمالية الإصابة بالخرف أو أمراض الدماغ التنكسية الأخرى.
لن تشيخ وحيداً و لن تهجرك الذكريات، لن تغرق في ظلمة النسيان لأن نور العلم سيحميك و يضيء لك أيامك حتى النهاية.
-راما شايب
خليلي هالمبدعة والكاتبة انا
ردحذف❤️
ردحذفراما
ردحذف