استيقظتُ ذات يوم، وأنا اغرق، لا أعرف ما كانَ هذا، لم يكن بحر، ولا نهر، لا بحيرة، لا شيء، فقط الشيء الوحيد الذي كنت أعرفه أنني اغرق، وكلما حاولت الخروج من ذلك الشيء، شيئاً ما، يدفعني إلى الاعماق، لكنني استمريت في المقاومة، ولم أستسلم له أبداً، إلى أن أصبحتْ قدماي تلامس التراب، استمريت ماشياً إلى الشاطئ، حتى وصلت، مجهداً فقد كان مشوار عصيب، لن تتخيلوا مدى صعوبته، بعدما وصلتُ إلى الشاطئ، وجدتُ أناس كثر، حقيقةً لا أعلم عددهم، فهم كانوا كثيرين، ولكنهم كانوا مصنفين، وجدتُ الفقير، هذا الذي من أجل قوته وقوت أطفاله يجازف بالدخول إلى ذلك الشيء، لكنّه كان يغرق ويخرج، يغرق ويخرج فقط من أجل العيش!، تساءلت في نفسي، ألم يجد مكان آخر يكسب منه ماله؟، ولكن لم أجد إجابةً، وجدت ذلك الشخص الذي يصرخ فقط من الخارج، أعتقد انّه كان خائفا، لا يريد الخوض في ذلك الشيء، فقط كان يصيحُ، في البداية لم أسمعه جيداً ولكن عندما اقتربت، أتّضح أنه كان يقول" الراتب، أريد الراتب، أين الراتب"، ولا يجيبُه أحد، وجدتُ شخصٌ آخر، يدعى الغني، فهو أيضاً لا يدخل، ولكن أحدٍ ما كان يأتي له بالمال والأكل وكل مايطلبه، ولا غريب في ذلك لأنه كان يحملُ السلاح، وجدتُ أيضاً السارقين، وأعتقد أنهم اهمُّ الشخصيات، ولكن لا أحد ينعتهم بالسارقين، فقد كان الجميع يُسمونهم "مرموقين"، قلّة قليلة لا زالوا يستخدمون مصطلح "السارقين" ولكنّهم يستخدمونه خلسةً، خوفا من الموت، وكانوا هؤلاء السارقين، وحدهم من يستطيعون الدخول والخروج بكل سلاسة، لقد كانوا يهرعون إلى الداخل ويخرجون بأموالٍ، وسيارات، في كل مرةٍ يدخلون فيها، وحدهم من كانوا يتلذذون، بالعيش في ذلك المكان، وهم من كانوا يحكمونه، استمريت في المضي قدماً، وقد مررت بالكثير من الناس، وأتساءل أين انا؟، ومن أنا؟، لماذا كنت في الداخل؟، إلى أن رأيت شخصٌ جالسا، وكان يكتُب شيئا ما، اقتربت منه لم أرى ملامح وجهه لأنّه كان منغمساً في الكتابة، ألقيت عليه التحية ولكن لا يرُد، سألته قائلا: هل يمكنك أن تخبرني أين أنا؟، توقَّفَ عن الكتابة، ورفع رأسه ينظر إليّ.. انّه أنا! نعم يُشبهني كثيرا، انّه أنا حقا! لقد صُدمت، كيف له أن يكون نسخةٌ طِبق الأصل منّي، لكنّه ذهب وتركني وحيدا، وترك بجانبي ورقة صغيرة، فتحتها و وجدته كاتباً "مرحبا بك في مستنقع النَكَبات".
عبد الله صالح نوفل.
تعليقات
إرسال تعليق