"اللغة العربية"
نسج القلب حرفًا خاطته أنامل الفؤاد لتصف لغةً تمكّنت من الجميع، أبهرت العالم، ورست جميع اللغات على يابستها لتتخذ البحر مقعدًا لا يحوزه إلا الجدير -وهي كذلك- ، أُلبست تاجَ الغنى بمفرداتها المرصّعة في جوفها؛ لتتوهّج أقلامنا منتظرةً الأرتواء، قابضةً عليها بمعصمها؛ لتبدأ وتكتب عن الغانيةِ بجمالها الباهر:
هي أرض طُهّرت من الدنس فسمت بذلاقتها على كلِّ لسانٍ أتقن الظفر بها في جعبته، هي بحرٌ يمتد ليَرويَ فقط ولا يتراجع عقب داره؛ لتغمر بتوسّع مداركها وعمقها بعض مدن الغرب: "كالأهواز وتركيا وساد ومالي وإثيوبيا..وغيرها" فتجعل ألسنتهم تعتنق التحدث بها، كما أنها حازت على المركز الخامس من حيث أكثرِ لغاتِ العالم انتشارًا، والمركزُ الثالث تبعًا للدول التي تضعها في كنفها كلغةٍ رسميّةٍ، وهي تعدُّ من الستِّ اللغاتِ الرسميّة المُعترف بها في منظّمةِ الأمم المتحدة، ولم تتوقف في غمرها إلى هنا فهي ما تطأ أرضًا حتى تنهَب الجمال وتنسبه لها؛ فلم تكتفي بانتشارها على الألسن! فقد تعالى ضرب موجها لتتوغّل في التجارةِ فتتّخذَ فيها المرتبةَ الرابعة من حيث اللغاتِ الأكثرِ فائدةً على مستوى العالم؛ كما أنها اعتصمت بنفسها فتميّزت بحوالي اثني عشرَ مليون كلمةٍ غير متكررّة، في حين اللغة الأنجليزية تمتلك ستَّ مائةِ ألف كلمة، وأيضا تملك ستّةَ عشرَ ألفِ جذرٍ لُغويّ، في حين اللغة اللاتينية تملك سبعَ مائةِ جذرٍ لُغويّ فقط!
هي لغةٌ تمكنت من أعماقنا لتمتشن العقل وترتُق كلُّ ثُلمة فيه بالوهَج والثقافة، لغةٌ سربت نحو قلوبنا فاتخذتها دارً تستدفئُ بها من صقيعِ التكرّر؛ فتميزت بعلو مكانتها بين العرب، وكيف لا! وكل عِباداتنا لا تكتمل إلا إذا كانت تحملها فوق بساطها. هي عظيمةٌ كفايةً لتُذكر في آيةٍ من القرآن الكريم وذلك في قوله -تعالى-: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ؛ فما ذكر القرآن شيئًا إلا عظّمه، وما نزل القرآن بها إلا لأنها وحدها القادرة على إزالة غمامةِ اللّبسِ لبيانها ووضوحها؛ فيتبيّنُ للناسِ الأوامرَ والنواهي التي أمرهم الله بها، وهذا كما جاء في تفسير السعدي وغيره من المفسّرين؛ فإذًا لاريب في أن عُروبتُنا هي فخرنا واعتزازنا.
-منية الشريف عبدالله.
تعليقات
إرسال تعليق