أيلول
تسللت خيوط الشمس إِلى الغُرفة من جديد ، إنها الساعة السابعة صباحاً بِتُ أُقـاوم حتى أنهض على قدّمـاي وأُحاول أن أَقِف على النافِذة لأرى المنظر الذي حفظتُهُ ، حاولت النهوض مرةً تِلوى الأُخرى حتى أخيراً أستطعت النهوض ، حسناً عليّ الآن أن امشي خِطوةٌ خِطوة حتى أصِل إلى نـافِذةُ الغُرفة ! أخِيراً وصلت ! نظرتُ إلى النافِذة التي تطل على ألآزهار المُتفتِحة والمبنى الكبير الذي يضمُ عدد مِن الموظفين الذين يشتغِلون فِيه ، رائِحة القهوة الجميلة الذي يصنعُها العجوز في المقهى المُقابل للمبنى ، إزدحـام الطريق جيهة اليسار وأصـوات السيارات ! مِنذُ قُدومي إِلى المشفى أصبحت هذهِ عادتي ! سرحتُ قليلاً ، قبل مجِيئِي إلى المشفى بيومين ، كُنتُ عند صديقتي التي اقامت حفل تخرجها في منزلها، حيث يوجد بُوفِي طعام عند الجيهة اليُمنى من الباب الرئيسي إلى نهاية حوض السباحة ، والاضواء الهادئِة الملونة المائِلة إلى لون الازرق والوردي والاحمر والموسيقى التي أخترتُها أنا ، الموسيقى التي أُحبها من النوع الهادئ الذي يأخِدكُ إلى عالمٍ أخر. كانت الطاوِلات مُزينة بِـ القُماش الابيض المزخرف بـ لونٌ وردي خفيف وفي وسطِها مِزهرية مُعبئة بـ الورود النـاعمة المُلونة بـِ اللونين الوردي والأبيض ، وبجنبها كـاساتٌ من العصير وصحِنٌ عليهِ ورقة مطبوعة متوسِطةُ الطول مكتوبٌ عليها أسم الشِيف وبعضٌ من التقديمات التي ستُقدم ونهاية الورقة شُكر وتقدير لكُل من أتىٰ، بِجانب الصَحن على اليمين شوكة وملعقة وعلى اليسار سكين. وأَمام حوضِ السِباحة كانت هُنالِك طاوِلة متوسِطة الحجم عليها الهدايا التِي تأتِي مع الضيُوف ، كان التقديم وكيفية أجواء الحفل مُمتعة للغاية ، حيثُ جمعتنا إيلين بصديقاتي اللواتي مضى من الوقت ثلاثةُ أشهر لم أراهُنَّ سهِرنا وضحكنا.
قـالت لِي إيلين بِـ مرح ماسِحة بيدها على بطنِي :
- فِي أَي شهرٌ يا أيلوُل أنتِ الآن ؟
- أُوه إيلين أنسيتي أنني في شهري.
ضحكِت وكان الفرح على وجِهها وكأن أختلط فرح ُتخرجُها مع حمَّلِي الذي لازال عن البيبي أيّام عِدة! وفِي حين كُنتُ شاردة في إيلين صديقة الطفولة نطقْت "ياسمين"في خجل مُوجهة الكلام لِي
- معنى ذلك أنّ أيّام وستكونين أمٌ لطيفة لأبنة أو أبن
- أبنة ، نعم وهذا الامر يقلقني حيثُ سأجري عملية لأول مرة
- سلّمكِ الله ، لا تقلقي كثيراً مِن النساء أَجرنَّ عملية والآن بِصحة جيدة.
تبسمتُ لها وكانت فِكرة أن أَجري عملية لأول مرة مُخيفة ، كانت تدعمني كثيِراً إيلين وياسمين وكنتُ أستريح لكلامِهنّ.
بدءَ الكُل ينسحب للمرواح إنها الساعة الثانية عشر بعد مُنتصف الليل.
عِدتُ للمنزل بعدما كانت ليلة جمّيلة تمنيتُ أن لا تنتهِي! وضعتُ حِذائِي أمـام مدخل باب المنزل ، ودخلتُ لـصالة المنزل، كان كُل شي هادئ ، وضوءٌ واحد خافِت أتٍ من غُرفة النوم ليُنير المنزل ، دخلتُ الغُرفة وتسطحتُ على السرير لأرتاح، كانت قداميّ مُتنفِختان من الوُقوف! أخيراً سأرتاح
غمضتُ عيناي لأنـام ومـا أن أتت الغفُوة حتى شعرتُ أن الطفِل تحرك حركة قوية ، مِلت ونمتُ على جنبي ، ازداد الحِراك بِقوة حتى تألمت ! كل مـرة يزداد وجع بطني ! صرخِتُ حتى فـاق أخيراً زوجي بهلع:
- مالأمر ؟
- أظن أننِي سأولد الآن !
وقف بِخوف وهلع ولبِسني عبـائتِي كاد أن ينسى مُفتاح السيارة حتى تذكرهُ في اللحظة الاخيرة رفعني للمشفى ، وكدتُ أموت من ألم الوِلادة!
أخيراً دخلتُ غُرفة العمليات التي كان لونها أَزرق في الأبيض ، مُعِدات العمّلية في الجانب الأيسر ، الطبيب أمـامي وبعض مِن مُساعديه بجـانبه ، حتى أُغميّ عليّ ولم أفِيق إلا بعد سـاعة مِن البُنج! وضعتُ يدي على بطني حتى شعرتُ أنها عـادت كما كـانت فتحتُ عينّاي بِبُطئ ورأَيتُ الدكتورة أمـامي مُبتسمة قـائلة :
- حمداً للهِ على سلامتك ، مُبارك عليكما الطفلة.
- سلمك الله ، هل ممكن أن أراها
- نعم بإمكانكِ رُؤيتِها ، أمهِيليني خمس دقـائِق لأأتي بِها في كـروستِها حتى تُرضِيعها
شعوري وهيّ بجانبي كـان من أجمل الشعور الذي يمكن للمرأة أن تشعر بِهِ ، نسيتُ حِينها ألم الولادة وكُل شي في التسعةِ أشهر ، أتى زوجِي ليشاركُنِي فرحتي! وأن يؤُذن إلى أُذن طِفلتنا ، وسنبقى أسبوع أنا وطفلتِي حتى يلتحِمُ الجُرح وأعود إلى المنزل.
دخلت الدكتورة وحامِلة معاها أَبنتي ورأتني واقِفة على النافذة.
- هل هذا كُلهُ شرود يـا أيلول ، أنا هُنا منذ نِصف ساعة
- أُعذُريني شردتُ وأنا أرى المنظر الجمِّيل.
ذهبتُ بِبُطئ حتى أستلقْيتُ على السرير ، ووضعتُ أبنتي التي كان عُمرها خمسةِ أيام، أرى ملامِحُها البريئة والأيدِّي الصغيرة. جمِّيلة هيَّ الأُمومة.
#هنـاء_محمد ✍🏻
تعليقات
إرسال تعليق